الترغيب في طلب العلم
السّلام عليكم ورخمة الله وبركاتة
الحمد لله الذي جعل العلم النافع طريقاً
موصلاً لرضاه، وصراطاً يتبعه من أراد هداه، ويحيد عنه من ضل واتبع هواه، ومن أضل
ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله، وأشهد أن لا إله إلا الله رفع شأن العلم وأهله
حتى وصلوا من المجد منتهاه، ومن العز أعلى ذراه، فمن سلك طريقاً يبتغي فيه علماً؛
سهل الله له به طريقاً إلى جنته وعلاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الرحمة
المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الهداة التقاة، ومن سار
على نهجه إلى يوم لقاه.
أما بعــد:
أيها المسلمون: اعلموا أن دين الإسلام
فرض على الأمة التي تعتنقه أن تكون أمة علم وعمل، فبالعلم النافع والعمل الصالح
تبني الأمم أمجادها، وتبلغ غاياتها، وتشيد حضاراتها، وترهب أعداءها، وقد أخبر رسول
الهدى صلى الله عليه وسلم: أن الله إذا أراد بالعبد خيراً وفقه للفقه في الدين،
وقد أخرج البخاري و مسلم عن معاوية رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: {من يرد الله به خير يفقه في الدين } ودل الحديث بمفهومه على أن من
أعرض عن العلوم النافعة فإن الله لم يرد به خيراًً؛ لحرمانه الأسباب التي تنال به
الخيرات وتكتسب بها السعادة.
إخوة الإسلام: إن أول ما نزل من كتاب
الله، قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5] حيث تعتبر
هذه الآيات أول صيحة تسموا بقدر العلم، وتنوه بقيمته، وتعلن الحرب على الأمية
الغافلة، لما تجره على الإنسانية من شر وفتنة وبلاء، وتجعل اللبنة الأولى في بناء
كل فرد، وكيان كل أمة، أن تتعلم أمور دينها ودنياها، وتأخذ بالوسائل الشرعية
المفيدة في هذا المجال.
وسما الله عز وجل بدرجات العلماء حتى
قرنهم بنفسه وملائكته في الشهادة بوحدانيته، والإقرار بعدالته، قال تعالى: شَهِدَ
اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ
قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]
وقال سبحانه: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11] وقال عز وجل: قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] وجعل
سبحانه العلماء أهل خشيته وتقواه، فقال عز من قائل: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] ولا غرو فأنىّ للعقول الكليلة والمعارف الضيقة
والذوات الجاهلة أن تدرك جلال الكبير المتعال، وتعرف الحق من الباطل، والحلال من
الحرام، والهدى من الضلال، والصواب من ضده، والسنة من البدعة، وأنَّى لمن يحيا
حياة الأنعام ويعيش عيش الطغام، أن يعبد ربه كما شرع رسوله صلى الله عليه وسلم،
وأن يسير على الصراط المستقيم في أمور العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، وكل
ما جاء به الإسلام.
لذلك أعز الله العلماء وآثارهم بكرامته
وفضله، وجاءت السنة المشرفة والآثار الصحيحة بترغيب الناس فيه وحثهم عليه، يقول
صلى الله عليه وسلم: {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى
الجنة } أخرجه مسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه -أيضاً-
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:
صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له } رواه مسلم
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: تعلموا
العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه
لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: كن
عالماً، أو متعلماً، أو محباً، أو مستمعاً، ولا تكن الخامسة فتهلك
أمة الإسلام: ما أصيب المسلمون اليوم
بمصيبة أعظم من الجهل بدين الله، وما ابتلوا ببلية أكبر من الإعراض عن العلم
الشرعي رواية ودراية ورعاية، فما الذي سبب انتشار العقائد الفاسدة، والطرق
المنحرفة، والبدع المنكرة؛ إلا قلة البصيرة في دين الله، وما الذي جعل المنكرات
والمحرمات تظهر في مجتمعات المسلمين؛ إلا الإعراض عن دين الله عز وجل.
إن أول أمر يجب على المسلم أن يعلمه
ويتعلمه هو توحيد الله، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام
بالأدلة، كما أن المسلمين اليوم مطالبون بمعرفة كل ما يفيدهم في أمور دينهم
ودنياهم؛ ليستطيعوا قهر أعداء الله وإيقاع الهزيمة بهم.
ولن ينكشف وينجلي ما حل بالمسلمين اليوم
في عقائدهم، ومعاملاتهم، وأخلاقهم، وبلادهم، إلا بإحياء علوم الدين الإسلامي
الحنيف، وجعلها ركيزة وأصلاً يبنى عليها غيرها من العلوم الأخرى، ولعل أبناء
المسلمين الذين يحصدون هذه الأيام زرع عام دراسي كامل، ويجنون ثماره، يتنبهون لهذه
الأمور والحقائق، فيخرجون متسلحين بالعلوم النافعة؛ لينصروا دينهم وينفعوا أمتهم،
ولن يتم ذلك إلا بمعرفة قيمة الوقت، والاجتهاد في الطلب على الدوام، والإخلاص لله
فيه، وابتغاء ثوابه، وصيانة العلم عن الأطماع الدنيوية، والمقاصد الدنية التي فشت
في أهل الطلب اليوم، والله المستعان!
اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل
الصالح، اللهم امنحنا الفقه في الدين يا رب العالمين. اللهم إنا نعوذ بك من
علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، وعين لا تدمع، ودعاء لا يسمع، اللهم علمنا ما ينفعنا،
وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم
الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
والسّلام عليكم ورخمة الله
وبركاتة
Tidak ada komentar:
Posting Komentar