الوحدة الأولى
المقدّمة
يلحظ أن هذا العلم يختص
بمعرفة أحول اللفظ العربي . اختيار اللفظ العربي هنا ليشمل الكلام بأجزائه ما
يتلفظ به بكلام عربي ، فالكلام يتكون من مفردة واحدة وهي الكلمة أصغر جزئيات
الكلام ، ثم الجملة وهي المرحلة الثانية بعد المفردة الواحدة ، ثم الجمل والتي
تمثل الكلام بعامة ، ولذلك كلمة اللفظ العربي تشمل النظر في حال المفردة الواحدة
والجملة والجمل ، ولذلك كان هذا العلم وهو علم المعاني يعني بهذا الجانب الخاص
بتركيب الكلام سواء كان بالنظر إلى مفردته وإلى جملته وإلى جمله فكل باب من أبواب
علم المعاني كما سيأتي إن شاء الله تعالى ينظر إلى زاوية من هذه الزوايا الثلاث ،
لكنه لا ينظر إليها مفردة وإنما ينظر إليها في سياق الكلام عامة بمعنى أن النظر في
المفردات بمعزل عن السياق لا تكون في علم المعاني ، ولذلك أشرنا في الدرس السابق
في تعريف البلاغة هي مطابقة
الكلام لمقتضى الحال .
فما قيل الكلام على مستوى
الكلمة الواحدة مفصولة عن غيرها ، هذا لا يدخل في حيز البلاغة وإنما يناقش كما سلف
في قضايا الفصاحة التي ودر الحديث عنها وهذه الأجزاء الثلاثة : الكلمة ، الجملة ،
والجمل ، ينظر كيف يمكن أن يتطابق استعمالها في الكلام مع مقتضى الحال الذي يوجه
المتكلم لاستخدام هذه الكلمة في موضع بشكل واستخدامها في موضع آخر بشكل آخر حتى
تتلاءم مع الموضع الجديد ، وكذلك الجملة ، وكذلك الجمل ، كما سنعرف إن شاء الله
تعالى .
الوحدة الثانية
استقرار
المباحث
أ.
تعريف
علم المعاني
المعاني جمعُ معنىً وهو في اللغة المقصود. وفي اصطلاح البيانيين هو
التعبير باللفظ عمّا يتصوّره الذهن أو هو الصورة الذهنيّة.
علم المعاني وهو أهم علوم البلاغة التي يبدأ بها المؤلفون ذكر علوم
البلاغة الثلاثة ، لأنه لا يعني بجانب يترتب عليه الجانبان الآخران في العلمين الآخرين
وهما علما البيان والبديع ، ولذلك عرفه المؤلفون بقولهم : هو علم يعرف به أحوال
اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال .
علم المعاني هو أصول وقواعد يعرف بها أحوال الكلام (اللفظ) العربي
التي يكون بها مطابقاً لمقتضى الحال، فتختلف صور الكلام باختلاف الأحوال مثال ذلك
قوله تعالى: "وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم
رشداً" فإن ما قيل أن صورة من الكلام مخالف صورة ما بعدها، لأن الأولى فيها
فعل الإرادة مبني للمجهول، والثانية فيها فعل الإرادة مبني للمعلوم، والحال الداعي
لذلك نسبة الخير إليه سبحانه في الثانية ومنع نسبة الشر إليه في الأولى.
ب.
الإسناد
هو العلاقة القائمة بيت ركني الجملة
العربية لتربطهما معا في حكم. ففي الجملة الاسمية عندنا المبتدأ والخبر،فنسند
الثاني إلى الأول، فيكون الأول مسندا إليه، والثاني مسندا. فإن قلنا: الشمس طالعة،
فقد أسندنا الطلوع إلى الشمس، فالطلوع مسند وهو الخبر، والشمس مسند إليه وهو
المبتدأ. وفي الجملة الفعلية ذات الفعل والفاعل، نسند الفعل إلى الفاعل، فيكون
الأول مسندا والثاني مسندا إليه.
فإن
قلنا: طلعت الشمس، فقد أسندنا فعل الطلوع إلى الشمس، فالطلوع وهو الفعل هنا هو
المسند، والشمس هي المسند إليه وهو المبتدأ. وما عدا هذين الركنين يسمى قيداً.
ت. أقسام
الكلام
يقسم الكلام إلى نوعين: كلام خبري
وكلام إنشائي
1.
كلام خبري
أما الكلام الخبري فهو الكلام الذي
يمكن الحكم عليه بالصدق أو الكذب، لأن له واقعا يمكننا بالرجوع إليه أن نتأكد من
مطابقته أو عدم مطابقته.
أمثلة: اللغة العربية لغة ذات خصائص
فريدة ـ الجو بارد اليوم ـ اغتصب اليهود فلسطين بسبب ذلة العرب.
2.
كلام إنشائي
أما الإنشائي فهو ما يطلب به إنشاء
أمر لم يكن واقعا وقت التكلم ولا يحكم عليه بصدق أو كذب لأنه لا يخبر بأمر ولا
يقدم معرفة ما.
أمثلة: هل العربية أفضل اللغات؟ ـ لا
تستسلم لتيارات الفكر الوافد دون تمحيص ـ يا رب أصلح النفوس ووحد الصفوف.
وهو نوعان:
إنشاء طلبي وهو ما يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت
التكلم. فيطلب به إيجاد أمر لم يكن متحققا من قبل. وهو محور من محاور اهتمام علم
البلاغة.
وإنشاء غير طلبي وهو ما لا
يستدعي مطلوبا في الأصل كالقسم ، وإبداء التعجب، وأسلوب المدح والذم والرجاء.
فكلها أساليب لا تحتمل الصدق أو الكذب.
ج. أغراض
الكلام الخبري والإنشائي
وكل من الخبر والإنشاء قد يتضمن
أغراضا بلاغية غير ما يوحي به منطوق الكلام المباشر، بل هي أغراض تفهم من سياق
ورود الخبر والإنشاء.
أ.
أغراض الكلام الخبري
الخبر قد يفيد تقديم فائدة للسامع أو
المخاطب إن لم يكن على علم بها. وقد يفيد لازم فائدة الخبر إن كان المتكلم يريد أن
يوضح للمخاطب أنه يعرف عنه هذا الأمر الذي لا يجهله المخاطب، كأن يقول له: "أتيتَ
من السفر منذ يومين" أو أن يقال له وهو يسيء إلى أبيه "هذا أبوك"
فيكون المخاطب عارفا مضمون الخبر ولكن إلقاءه يكون من باب التذكير أو التوكيد أو
النصح أو التحذير، فينزل العالم منزلة الجاهل ويخاطب بغرض توجيه الفائدة.
من الأغراض الأخرى للخبر:
1.
الفخر:
أنا القائد الحامي الذمار وإنما ** يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
أنا القائد الحامي الذمار وإنما ** يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
2.
المدح والثناء:
اللهم أنت خالق السموات والأرض العليم
القدير الحكيم
3.
التحسر والتأسف:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت
في خَلْف كجلد الأجرب
4.
الاسترحام والاستعطاف:
رب إني لا أستطيع اصطبارا ** فاعف
عني يا من يقيل العثارا
5.
إظهار الضعف: كشكوى زكريا لربه
"رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس
شيبا"
6.
التوبيخ:
كالقول الذي يواجه به الذين يكنزون
الذهب والفضة حين يكون بها: هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.
7.
الدعاء :
كقولنا: مات فلان رحمه الله
كقولنا: مات فلان رحمه الله
8.
الأمر:
"الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة"
فالجملة خبرية لكن غرضها هو الأمر، أي: فلترضع الوالدات أولادهن
فالجملة خبرية لكن غرضها هو الأمر، أي: فلترضع الوالدات أولادهن
ب. أغراض
الكلام الإنشائي
1.
الأمر: هو طلب إنشاء أمر لم يكن حاصلا
وقت التكلم.
الأصل في الأمر أن يدل على الوجوب،
ولكن قديدل على معان أخرى بالقرائن.
فإن كان الأمر صادرا من الأعلى إلى الأدنى فهو لطلب إحداث أمر أي هو باق على معناه الأصلي. فإن كان من الأدنى إلى الأعلى فهو للدعاء كقولك لله عز وجل: "اغفر لي ذنبي". وإن كان بين متساويين فهو التماس، كقولك لصاحبك: "أعطني كتابك".
فإن كان الأمر صادرا من الأعلى إلى الأدنى فهو لطلب إحداث أمر أي هو باق على معناه الأصلي. فإن كان من الأدنى إلى الأعلى فهو للدعاء كقولك لله عز وجل: "اغفر لي ذنبي". وإن كان بين متساويين فهو التماس، كقولك لصاحبك: "أعطني كتابك".
وقد يخرج عن معناه الأصلي إلى معان
أخرى، أهمها:
- الإرشاد:
إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ـ البقرة.
- الإباحة
: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ـ البقرة.
- التعجب
: انظر كيف ضربوا لك الأمثال ـ الإسراء.
- التهديد
: اعملوا ما شئتم ـ فصلت.
- التحقير
والتهكم كقول جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ** أبشر
بطول سلامة يا مربع
- التعجيز
كقول الله عز وجل : "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من
مثله"
2.
النهي : وهو طلب الكف عن الفعل على
جهة الاستعلاء.
وقد تخرج صيغة النهي عن دلالتها
الأصلية إلى معان أخرى، منها:
- الدعاء
: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.
- التيئيس
: يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون ـ التحريم.
- التوبيخ:
كقول أبي الأسود
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عار عليك
إذا فعلت عظيم
- التهديد:
كقول الشاعر
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ** وأن
نكف الأذى عنكم وتؤذونا
- التسلية
والصبر : "لا تحزن إن الله معنا".
- الإرشاد
والتعليم: كقول الشاعر
ولا تجلس إلى أهل الدنايا ** فإن
خلائق السفهاء تعدي
3.
التمني: هو طلب حصول الشيء المحبوب دون أن
يكون لك طمع وترقب في حصوله، أما ما تطمع في حصوله لأنه ممكن الوقوع فهو من
الترجي، وبهذا نعرف أن قولنا (أتمنى أن تفعل كذا) يعني أن هذا الأمر صعب حدوثه،
فإن كنا نأمل بالفعل في وقوعه فعلينا أن نقول : "أرجو أن تفعل كذا".
صيغته الأصلية هي (ليت)، وهناك أدوات
تخرج عن معانيها الحقيقية لتدل على التمني، مثل: هل ـ لو ـ لعل.
أمثلة: "ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا"
ألا ليت الشباب يعود يوما ** فأخبره
بما عل المشيب
(يتمنى عودة الشباب وليس بعائد).
أسربَ القطا هل من يعير جناحه ** لعلي
إلى من قد هويت أطير
(فهو يتمنى أن يعيره الطير جناحه
ليطير إلى من يهوى ولكن لا يُتوقع حدوث هذا الشيء، لأنه غير ممكن الحدوث).
4.
النداء هو طلب إنشاء استجابة
قد تخرج صيغة النداء إلى أغراض بلاغية
تفهم من سياقها، مثل:
- التحسر
والتوجع:
فيا قبر معن كيف واريت جوده ** وقد
كان منه البر والبحر مترعا
- الندبة:
فواحزناه إن لم أودعه غدوة ** ويا أسفا إن كنت فيمن يودع
فواحزناه إن لم أودعه غدوة ** ويا أسفا إن كنت فيمن يودع
- الزجر:
أيا حاسدا لي على نعمتي ** أتدري على من أسأت الأدب
أيا حاسدا لي على نعمتي ** أتدري على من أسأت الأدب
أسأتَ على الله في حكمه ** لأنك لم
ترض لي ما وهب
5.
الاستفهام طلب فهم أمر لم يكن فهمه
حاصلا من قبل. وأدواته كثيرة معروفة.
ويخرج الاستفهام إلى أغراض بلاغية
تفهم من سياق الكلام، ومنها:
- التقرير
أي أن تقرر المخاطب بشيء ثبت عنده كقول فرعون لموسى عليه.
- السلام:
"ألم نربك فينا وليدا"
- الإنكار:
كقول الله عز وجل منكرا على المشركين قولهم : "أصطفى البنات على البنين. ما
لكم كيف تحكمون"
- الاستبعاد
: أي إشعار المخاطب بأن المطلوب بعيد الوقوع، كقوله عزوجل: " أنى لهم الذكرى وقد
جاءهم رسول مبين"
- التحقير:
كقول الكفار عن نبي الله : " أهذا الذي بعث الله رسولا"
- التمني
: "فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا"
- التشويق
: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم"
- الوعيد
: " إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب"
- النهي
: "أتخشونهم فالله أحق ان تخشوه"
- النفي
: "فهل ترى لهم من باقية"
الوحدة الثالثة
الخاتمة
أ.
المختصرات
المهمّة
علم المعاني هو أول علوم
البلاغة الثلاثة ، وهو العلم الذي كما قال المؤلفون يعرف بأحوال اللفظ العربي ،
وهم يقصدون قضايا التركيب التي يتميز بها علم المعاني عن غيره.
أما
الكلام الخبري فهو الكلام الذي يمكن الحكم عليه بالصدق أو الكذب، لأن له واقعا
يمكننا بالرجوع إليه أن نتأكد من مطابقته أو عدم مطابقته.
فالانشاء لغة هو االايجاد. وفي
الاصطلاح ما لا يحتمل صدقاً ولا كذباً، كالامر والنهي والاستفهام والتمني والنداء
وغيرها، فإنك إذا قلت: "اللّهم ارحمني" لا يصح أن يقال لك: "صادق
أو كاذب"، نعم يصح ذلك بالنسبة الى الخبر الضمني المستفاد من الكلام، وهو انك
طالب للمغفرة.
والانشاء ينقسم إلى طلبي وغير طلبي. فالانشاء
الطلبي: هو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب ـ حسب اعتقاد المتكلم ـ وهو
المبحوث عنه في علم المعاني لما فيه من اللطائف البلاغيّة. والانشاء غير الطلبي:
ما لايستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، وهو على أقسام: المدح والذم، العقود،
القَسَم، التعجّب، الرجاء، وما إلى ذلك.
مراجع الكتاب
-
شرح دروس البلاغة الكبرى لفضيلة
الدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ(
- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
تأليف سيّد المرحوم أحمد هاشمي
Tidak ada komentar:
Posting Komentar